الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
(قوله: وقراءته من مصحف) أي يفسدها عند أبي حنيفة وقالا هي تامة لأنها عبادة انضافت إلى عبادة إلا أنه يكره لأنه تشبه بصنيع أهل الكتاب ولأبي حنيفة وجهان أحدهما أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير الثاني أنه تلقن من المصحف فصار كما إذا تلقن من غيره وعلى هذا الثاني لا فرق بين الموضوع والمحمول عنده وعلى الأول يفترقان وصحح المصنف في الكافي الثاني وقال إنها تفسد بكل حال تبعا لما صححه شمس الأئمة السرخسي وربما يستدل لأبي حنيفة كما ذكره العلامة الحلبي بما أخرجه ابن أبي داود عن ابن عباس قال نهانا أمير المؤمنين أن نؤم الناس في المصحف فإن الأصل كون النهي يقتضي الفساد وأراد بالمصحف المكتوب فيه شيء من القرآن فإن الصحيح أنه لو قرأ من المحراب فسدت كما هو مقتضى الوجه الثاني كما صرحوا به وأطلقه فشمل القليل والكثير وما إذا لم يكن حافظا أو حافظا للقرآن وهو إطلاق الجامع الصغير وذهب بعضهم إلى أنه إنما تفسد إذا قرأ آية وبعضهم إذا قرأ الفاتحة وقال الرازي قول أبي حنيفة محمول على من لم يحفظ القرآن ولا يمكنه أن يقرأ إلا من مصحف فأما الحافظ فلا تفسد صلاته في قولهم جميعا وتبعه على ذلك السرخسي في جامعه الصغير على ما في النهاية وأبو نصر الصفار على ما في الذخيرة معللا بأن هذه القراءة مضافة إلى حفظه لا إلى تلقنه من المصحف وجزم به في فتح القدير والنهاية والتبيين وهو أوجه كما لا يخفى وفي الظهيرية ثم لم يذكر في الكتاب أنه إذا لم يكن قادرا إلا على القراءة من المصحف فصلى بغير قراءة هل تجوز والأصح أنها لا تجوز ا هـ. ويخالفه ما في النهاية نقلا عن مبسوط شيخ الإسلام وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل يقول في التعليل لأبي حنيفة أجمعنا على أن الرجل إذا كان يمكنه أن يقرأ من المصحف ولا يمكنه أن يقرأ على ظهر قلبه أنه لو صلى بغير قراءة أنه يجزئه ولو كانت القراءة من المصحف جائزة لما أبيحت الصلاة بغير قراءة ولكن الظاهر أنهما لا يسلمان هذه المسألة وبه قال بعض المشايخ. ا هـ. والظاهر أن ما في الظهيرية متفرع على أن علة الفساد حمله والعمل الكثير فإذا لم يحفظ شيئا على ظهر قلبه يمكنه أن يقرأ من المصحف وهو موضوع فليس أميا لتجوز صلاته بغير قراءة وما ذكره الإمام الفضلي متفرع على الصحيح من أن علة الفساد تلقنه ولو كان موضوعا فحينئذ لا قدرة له على القراءة فكان أميا وبهذا ظهر أن تصحيح الظهيرية مفرع على الضعيف وأطلق في المصلي فشمل الإمام والمنفرد فما في الهداية من تقييده بالإمام اتفاقي كما في غاية البيان ثم اعلم أن التشبيه بأهل الكتاب لا يكره في كل شيء وإنا نأكل ونشرب كما يفعلون إنما الحرام هو التشبه فيما كان مذموما وفيما يقصد به التشبيه كذا ذكره قاضي خان في شرح الجامع الصغير فعلى هذا لو لم يقصد التشبه لا يكره عندهما. (قوله: والأكل والشرب) أي يفسدانها لأن كل واحد منهما عمل كثير وليس من أعمال الصلاة ولا ضرورة إليه وعلل قاضي خان وجه كونه كثيرا بقوله لأنه عمل اليد والفم واللسان قال العلامة الحلبي وهو مشكل بالنسبة إلى ما لو أخذ من خارج سمسمة فابتلعها أو وقع في فيه قطرة مطر فابتلعها فإنهم نصوا على فساد الصلاة في كل من هذه الصور مطلقا ا هـ. أطلقه فشمل العمد والنسيان لأن حالة الصلاة مذكرة فلا يعفى النسيان بخلاف الصوم فإنه لا مذكر فيه وشمل القليل والكثير ولهذا فسره في الحاوي بقدر ما يصل إلى الحلق وقيده الشارح بما يفسد الصوم وما لا يفسد الصوم لا يبطل الصلاة ا هـ. وهو ممنوع كليا فإنه لو ابتلع شيئا بين أسنانه وكان قدر الحمصة لا تفسد صلاته وفي الصوم يفسد وفرق بينهما الولوالجي وصاحب المحيط بأن فساد الصلاة معلق بعمل كثير ولم يوجد بخلاف فساد الصوم فإنه معلق بوصول المغذي إلى جوفه لكن في البدائع والخلاصة أنه لا فرق بين فساد الصلاة والصوم في قدر الحمصة وفي الظهيرية لو ابتلع دما خرج من بين أسنانه لم تفسد صلاته إذا لم يكن ملء الفم ا هـ. وقالوا في باب الصوم لو خرج من بين أسنانه دم ودخل حلقه وهو صائم إن كان الغلبة للدم أو كانا سواء فطره لأن له حكم الخارج وإن كانت الغلبة للبزاق لا يضره كما في الوضوء فقد فرقوا بين الصلاة والصوم وفي الظهيرية لو قاء أقل من ملء الفم فعاد إلى جوفه وهو لا يملك إمساكه لم تفسد صلاته وإن أعاده إلى جوفه وهو قادر على أن يمجه يجب أن يكون على قياس الصوم عند أبي يوسف لا تفسد وعند محمد تفسد وإن تقيأ في صلاته إن كان أقل من ملء الفم لا تفسد وإن كان ملء الفم تفسد صلاته ا هـ. وفي المحيط وغيره ولو مضغ العلك كثيرا فسدت وكذا لو كان في فمه إهليلجة فلاكها فإن دخل في حلقه منها شيء يسير من غير أن يلوكها لا تفسد وإن كثر ذلك فسدت وفي الخلاصة ولو أكل شيئا من الحلاوة وابتلع عينها فدخل في الصلاة فوجد حلاوتها في فيه وابتلعها لا تفسد صلاته ولو دخل الفانيد أو السكر في فيه ولم يمضغه لكن يصلي والحلاوة تصل إلى جوفه تفسد صلاته ا هـ. وأشار بالأكل والشرب إلى أن كل عمل كثير فهو مفسد واتفقوا على أن الكثير مفسد والقليل لا لإمكان الاحتراز عن الكثير دون القليل فإن في الحي حركات من الطبع وليست من الصلاة فلو اعتبر العمل مفسدا مطلقا لزم الحرج في إقامة صحتها وهو مدفوع بالنص ثم اختلفوا فيما يعين الكثرة والقلة على أقوال أحدها ما اختاره العامة كما في الخلاصة والخانية أن كل عمل لا يشك الناظر أنه ليس في الصلاة فهو كثير وكل عمل يشتبه على الناظر أن عامله في الصلاة فهو قليل قال في البدائع وهذا أصح وتابعه الشارح والولوالجي وقال في المحيط إنه الأحسن وقال الصدر الشهيد إنه الصواب وذكر العلامة الحلبي أن الظاهر أن مرادهم بالناظر من ليس عنده علم بشروع المصلي في الصلاة فحينئذ إذا رآه على هذا العمل وتيقن أنه ليس في الصلاة فهو عمل كثير وإن شك فهو قليل ثانيها إن ما يقام باليدين عادة كثير وإن فعله بيد واحدة كالتعمم ولبس القميص وشد السراويل والرمي عن القوس وما يقام بيد واحدة قليل ولو فعله باليدين كنزع القميص وحل السراويل ولبس القلنسوة ونزعها ونزع اللجام وما أشبه ذلك كذا ذكره الشارح ولم يقيد في الخلاصة والخانية ما يقام باليدين بالعرف وقيد في الخانية ما يقام بيد واحدة بما إذا لم يتكرر والمراد بالتكرر ثلاث متواليات لما في الخلاصة وإن حك ثلاثا في ركن واحد تفسد صلاته هذا إذا رفع يده في كل مرة أما إذا لم يرفع في كل مرة فلا تفسد لأنه حك واحد ا هـ. وهو تقييد غريب وتفصيل عجيب ينبغي حفظه لكن في الظهيرية معزيا إلى الصدر الشهيد حسام الدين لو حك موضعا من جسده ثلاث مرات بدفعة واحدة تفسد صلاته ا هـ. ولم أر من صحح القول الثاني في تحديد العمل وقد يقال إنه غير صحيح فإنه لو مضغ العلك في صلاته فسدت صلاته كذا ذكره محمد كما في البدائع لأن الناظر إليه من بعيد لا يشك أنه في غير الصلاة وليس فيه استعمال اليد رأسا فضلا عن استعمال اليدين وكذا الأكل والشرب يعمل بيد واحدة وهو مبطل اتفاقا وكذا قولهم لو دهن رأسه أو سرح شعره سواء كان شعر رأسه أو لحيته تفسد صلاته لا يتخرج على أن العمل الكثير ما يقام باليدين لأن دهن الرأس وتسريح الشعر عادة يكون بيد واحدة إلا أن يريد بالدهن تناوله القارورة وصب الدهن منها بيده الأخرى وهو كذلك فإن في المحيط قال ولو صب الدهن على رأسه بيد واحدة لا تفسد وتعليل الولوالجي بأن تسريح الشعر يفعل باليدين ممنوع وأما قولهم ولو حملت صبيا فأرضعته تفسد فهو على سائر التفاسير لكن ما في الخلاصة والخانية المرأة إذا أرضعت ولدها تفسد صلاتها لأنها صارت مرضعة فشمل ما إذا حمل إليها فدفعت إليه الثدي فرضعها وأما إذا ارتضع من ثديها وهي كارهة ففي الظهيرية والخلاصة والخانية إن مص ثلاثا فسدت وإن لم ينزل اللبن فإن كان مصة أو مصتين فإن نزل لبن فسدت وإلا فلا وفي المنية والمحيط إن خرج اللبن فسدت وإلا فلا من غير تقييد بعدد وصححه في معراج الدراية وأما قولهم لو ضرب إنسانا بيد واحدة أو بسوط تفسد كما في المحيط والخلاصة و الظهيرية والمنية فلا يتفرع على ما يقام باليدين بل على الصحيح لكن في الظهيرية لو ضرب دابته مرة أو مرتين لا تفسد وإن ضربها ثلاثا في ركعة واحدة تفسد قال رضي الله عنه وعندي إذا ضرب مرة واحدة وسكن ثم ضرب مرة أخرى وسكن ثم ضرب مرة أخرى لا تفسد صلاته كما قلنا في المشي ا هـ. وهذا يصلح أن يتفرع على القولين وأما اعتبارهم المرات الثلاث في الحك كما قدمناه عن الخلاصة فالظاهر تفريعه على قول من فسر العمل الكثير بما تكرر ثلاثا وهو القول الثالث لا على القولين الأولين وأما قولهم لو قتل القملة مرارا إن قتل قتلا متداركا تفسد وإن كان بين القتلات فرجة لا تفسد فيصلح تفريعه على الأقوال كلها وأما قولهم لو قبل المصلي امرأته بشهوة أو بغير شهوة أو مسها بشهوة فسدت ينبغي تفريعه على القول الأصح وكذا على قول من فسر العمل الكثير بما يستفحشه المصلي وأما على اعتبار ما يفعل باليدين أو بما تكرر ثلاثا فلا وهو مما يضعفهما كما لا يخفى وكذا لو جامعها فيما دون الفرج من غير إنزال بخلاف النظر إلى فرجها بشهوة فإنه لا يفسد على المختار كما في الخلاصة وأما قولهم كما في الخانية والخلاصة لو كانت المرأة هي المصلية دونه فقبلها فسدت بشهوة أو بغير شهوة ولو كان هو المصلي فقبلته ولم يشتهها فصلاته تامة فمشكل إذ ليس من المصلي فعل في الصورتين فمقتضاه عدم الفساد فيهما فإن جعلنا تمكينه من الفعل بمنزلة فعله اقتضى الفساد فيهما وهو الظاهر على اعتبار أن العمل الكثير ما لو نظر إليه الناظر لتيقن أنه ليس في الصلاة أو ما استفحشه المصلي لكن في شرح الزاهدي ولو قبل المصلية لا تفسد صلاتها وقال أبو جعفر إن كان بشهوة فسدت ا هـ. وهو مخالف لما في الخلاصة والخانية مساو لتقبيله وتقبيلها وفي منية المصلي المشي في الصلاة إذا كان مستقبل القبلة لا يفسد إذا لم يكن متلاحقا ولم يخرج من المسجد وفي الفضاء ما لم يخرج عن الصفوف هذا كله إذا لم يستدبر القبلة وأما إذا استدبرها فسدت وفي الظهيرية المختار في المشي أنه إذا أكثر أفسدها وأما قولهم كما في منية المصلي لو أخذ حجرا فرمى به تفسد ولو كان معه حجر فرمى لا تفسد وقد أساء فظاهره التفريع على الصحيح لا على تفسيره بما يقام باليدين وأما قولهم كما في الخلاصة وغيرها لو كتب قدر ثلاث كلمات تفسد وإن كان أقل لا فالظاهر تفريعه على أن الكثير ما يستكثره المبتلى به أو أنه ما تكرر ثلاثا متواليات وأما على الصحيح فالظاهر أن الفساد لا يتوقف على كتابة ثلاث كلمات بل يحصل الفساد بكتابة كلمة واحدة مستبينة على الأرض ونحوها وقد يشهد بذلك إطلاق ما في المحيط قال محمد لو كتب في صلاته على شيء فسدت وإن كتب على شيء لا يرى لا تفسد لأنه لا يسمى كتابة وأما قولهم كما في الذخيرة لو حرك رجلا لا على الدوام لا تفسد وإن حرك رجليه تفسد فمشكل لأن الظاهر أن تحريك اليدين في الصلاة لا يبطلها حتى يلحق بهما تحريك الرجلين والأوجه قول بعضهم إنه إن حرك رجليه قليلا لا تفسد وإن كان كثيرا فسدت كما في الذخيرة أيضا ولعله مفوض إلى ما يعده العرف قليلا أو كثيرا وفي الظهيرية إذا تخمرت المرأة فسدت صلاتها ولو أغلق الباب لا تفسد وإن فتح الباب المغلق تفسد وإن نزع القميص لا تفسد ولو لبس تفسد ولو شد السراويل تفسد ولو فتح لا تفسد ومن أخذ عنان دابته أو مقودها وهو نجس إن كان موضع قبضه نجسا لم يجز وإن كان النجس موضعا آخر جاز وإن كان يتحرك بتحركه هو المختار وإن جذبته الدابة حتى أزالته عن موضع سجوده تفسد ولو آذاه حر الشمس فتحول إلى الظل خطوة أو خطوتين لا تفسد وقيل في الثلاث كذلك والأول أصح ولو رفع رجل المصلي عن مكانه ثم وضعه من غير أن يحوله عن القبلة لا تفسد ولو وضعه على الدابة تفسد ولو زر قميصا أو قباء فسدت لا إن حله وإن ألجم دابة فسدت لا إن خلعه ولو لبس خفيه فسدت لا إن تنعل أو خلع نعليه كما لو تقلد سيفا أو نزعه أو ووضع الفتيلة في مسرجة أو تروح بمروحة أو بكمه أو سوى من عمامته كورا أو كورين أو لبس قلنسوة أو بيضة والحاصل أن فروعهم في هذا الباب قد اختلفت ولم تتفرع كلها على قول واحد بل بعضها على قول وبعضها على غيره كما يظهر للمتأمل والظاهر أن أكثرها تفريعات المشايخ لم تكن منقولة عن الإمام الأعظم ولهذا جعل الاختلاف في حد العمل الكثير والقليل في التجنيس إنما هو بين المشايخ وقد ذكرنا من الأقوال أربعة وذكروا قولا خامسا وهو أن العمل الكثير ما يكون مقصودا للفاعل بأن أفرد له مجلسا على حدة ولقد صدق من قال كثرة المقالات تؤذن بكثرة الجهالات ولقد صدق صاحب الفتاوى الظهيرية حيث قال في الفصل الثالث في قراءة القرآن إن كل ما لم يرو عن أبي حنيفة فيه قول بقي كذلك مضطربا إلى يوم القيامة كما حكي عن أبي يوسف أنه كان يضطرب في بعض المسائل وكان يقول كل مسألة ليس لشيخنا فيها قول فنحن فيها هكذا ا هـ. وإلى هنا تبين أن المفسد للصلاة كلام الناس مطلقا والعمل الكثير ومن المفسد الموت والارتداد بالقلب والجنون والإغماء وكل حدث عمد وما أوجب الغسل كالاحتلام والحيض ومحاذاة المرأة بشروطه وترك ركن من غير قضاء أو شرط لغير عذر وأما استخلاف القارئ للأمي والفتح على غير إمامه فداخل تحت العمل الكثير وأما ترك القعدة الأخيرة مع التقييد بالسجدة وقدرة المومئ على الركوع والسجود وتذكر صاحب الترتيب الفائتة فيها وطلوع الشمس في الفجر ودخول وقت العصر في الجمعة ونظائرها فمما يفسد وصف الفرضية لا أصل الصلاة وأما فسادها بتقدم الإمام أمام المصلي أو طرحه في صف النساء أو في مكان نجس أو سقوط الثوب عن عورته مع التعمد مطلقا ومع أداء ركن إن لم يتعمد علم أو لم يعلم ومع المكث قدره إن لم يؤد عند أبي حنيفة ومحمد كما في الظهيرية فراجع إلى فوت الشرط كما لا يخفى. (قوله: ولو نظر إلى مكتوب وفهمه أو أكل ما بين أسنانه أو مر مار في موضع سجوده لا تفسد وإن أثم) أما الأول فلأن الفساد إنما يتعلق في مثله بالقراءة وبالنظر مع الفهم لم تحصل وصحح المصنف في الكافي أنه متفق عليه بخلاف من حلف لا يقرأ كتاب فلان فنظر إليه وفهمه فإنه يحنث عند محمد لأن المقصود فيه الفهم والوقوف على سره أطلق المكتوب فشمل ما هو قرآن وغيره لكن في القرآن لا تفسد إجماعا بالاتفاق كما في النهاية وشمل ما إذا استفهم أو لا لكن إذا لم يكن مستفهما لا تفسد بالإجماع وإن كان مستفهما ففي المنية تفسد عند محمد والصحيح عدمه اتفاقا لعدم الفعل منه ولشبهة الاختلاف قالوا ينبغي للفقيه أن لا يضع جزء تعليقه بين يديه في الصلاة لأنه ربما يقع بصره على ما في الجزء فيفهم ذلك فيدخل فيه شبهة الاختلاف ا هـ. وعبر في النهاية بالوجوب على الفقيه أن لا يضع لكن قد علمت أن شبهة الاختلاف فيما إذا كان مستفهما وأما إذا لم يكن مستفهما فلا يعلل بما ذكر لعدم الاختلاف فيه بل لاشتغال قلبه به إذا خاف من وضعه بين يديه اشتغاله بالنظر إليه ولم يذكروا كراهة النظر إلى المكتوب متعمدا وفي منية المصلي ما يقتضيها فإنه قال ولو أنشأ شعرا أو خطبة ولم يتكلم بلسانه لا تفسد وقد أساء وعلل الإساءة شارحها باشتغاله بما ليس من أعمال الصلاة من غير ضرورة قال ثم ينبغي أن يكون عليه سجود السهو إذا أشغله ذلك عن أداء ركن أو واجب سهوا ا هـ. وبهذا علم أن ترك الخشوع لا يخل بالصحة بل بالكمال ولذا قال في الخلاصة والخانية إذا تفكر في صلاته فتذكر شعرا أو خطبة فقرأهما بقلبه ولم يتكلم بلسانه لا تفسد صلاته ا هـ. وأما الثاني وهو أكله ما بين أسنانه فلأنه عمل قليل أطلقه فشمل ما إذا كان قدر الحمصة كما قدمناه عن المحيط والولوالجية من الفرق بين الصلاة والصوم وفي البدائع إن كان دون الحمصة لم يضره وإن كان قدر الحمصة فصاعدا فسدت صلاته وهكذا في شرح الطحاوي وقال بعضهم لا تفسد صلاته بما دون ملء الفم وعليه مشى في الخلاصة حيث قال وقال الإمام خواهر زاده ولو أكل بعض اللقمة وبقي البعض في فيه حتى شرع في الصلاة وابتلع الباقي لا تفسد صلاته ما لم يكن ملء الفم فهذه ثلاثة أقوال في هذه المسألة كما ترى والشأن فيما هو الراجح منها وهو ينبني على معرفة العمل الكثير وفيه اختلاف كما سبق وينبغي أن يكون محل الاختلاف فيما إذا ابتلع ما بين أسنانه من غير مضغ أما إذا مضغه كثيرا فلا خلاف في فسادها كما قدمناه في مضغ العلك وعلى هذا فلو عبر المصنف بالابتلاع كما في الخلاصة والمحيط والولوالجية وكثير دون الأكل لكان أولى ثم إذا كان ابتلاع ما بين أسنانه غير مفسد بشرطه على الخلاف فهو مكروه كما صرح به في منية المصلي لأنه ليس من أعمال الصلاة ولا ضرورة فيه فكان مكروها وإن كان قليلا وأما الثالث وهو مرور المار في موضع سجود المصلي فإنما لا يفسدها عند عامة العلماء سواء كان المار امرأة أو حمارا أو كلبا أو غيرها لحديث الصحيحين: «عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي وأنا معترضة بين يديه فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح». ولقوله عليه السلام: «لا يقطع الصلاة مرور شيء وادرءوا ما استطعتم فإنما هو شيطان» لكن ضعفه النووي وفي فتح القدير والذي يظهر أنه لا ينزل عن الحسن لأنه يروى من عدة طرق ثم الكلام في هذه المسألة في سبعة عشر موضعا الأول ما ذكره في الكتاب من عدم الفساد الثاني أن المار آثم للحديث: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الوزر لوقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه قال الراوي لا أدري أربعين عاما أو شهرا أو يوما» وأخرجه البزار وقال أربعين خريفا وروى ابن ماجه وصححه ابن حبان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم أحدكم ما له في أن يمر بين يدي أخيه معترضا في الصلاة كان لأن يقيم مائة عام خير له من الخطوة التي خطا» وبهذا علم أن الكراهة تحريمية لتصريحهم بالإثم وهو المراد بقوله وإن أثم المار بين يديه، الثالث في الموضع الذي يكره المرور فيه وفيه اختلاف واختار المصنف أنه موضع سجوده وصححه في الكافي لأن هذا القدر من المكان حقه وفي تحريم ما وراءه تضييق على المارة وهو يفيد أن المراد بموضع سجوده موضع صلاته وهو من قدمه إلى موضع سجوده كما صرح به الشارح وهو مختار صاحب الهداية وشمس الأئمة السرخسي وقاضي خان وفي المحيط أنه الأحسن لأن ذلك القدر موضع صلاته دون ما وراءه وذكر التمرتاشي أن الأصح أنه إن كان بحال لو صلى صلاة خاشع لا يقع بصره على المار فلا يكره المرور نحو أن يكون منتهى بصره في قيامه إلى موضع سجوده وفي ركوعه إلى صدور قدميه وفي سجوده إلى أرنبة أنفه وفي قعوده إلى حجره وفي سلامه إلى منكبيه واختاره فخر الإسلام فإنه قال إذا صلى راميا ببصره إلى موضع سجوده فلم يقع عليه بصره لم يكره وهذا حسن وفي البدائع وقال بعضهم قدر ما يقع بصره على المار لو صلى بخشوع وفيما وراء ذلك لا يكره وهو الأصح ورجحه في النهاية بأنه أشبه إلى الصواب لأن المصلي إذا صلى على الدكان وحاذى أعضاء المار أعضاءه فإن المرور أسفل الدكان مكروه وهو ليس بموضع سجود المصلي فهي واردة على من اعتبر موضع السجود فما اختاره فخر الإسلام يمشي في كل الصور كما هو دأبه في اختياراته وأقره عليه في فتح القدير ووفق بينهما في العناية بأن المراد بموضع السجود الموضع القريب من موضع السجود فيئول إلى ما اختاره فخر الإسلام بدليل أن صاحب الهداية بعد اعتباره موضع السجود شرط عدم الحائل كالأسطوانة ولا يتصور أن يكون الحائل بينه وبين موضع سجوده وبدليل أنه صرح بمسألة المرور أسفل الدكان ا هـ. وهو تكلف والذي يظهر للعبد الضعيف أن الراجح ما في الهداية وأنه لا يرد عليه شيء مما ذكر لأن مسألة الدكان إنما ترد عليه نقضا لو سكت عنها وأما إذا صرح بها فلا فكأنه قال العبرة بموضع السجود إن لم يكن يصلي على دكان فأما إذا كان يصلي عليها فالعبرة للمحاذاة كما هو ظاهر عبارته لمن تأملها وإنما شرط عدم الحائل لأنه يتصور وجود الحائل في موضع السجود كأن يصلي قريبا من جدار بالإيماء للمرض بحيث لو لم يكن الجدار لكان موضعه موضع السجود فلا منافاة كما في العناية أو أن اشتراط عدم الحائل إنما هو بيان لمحل الخلاف فإن المرور وراء الحائل ليس بمكروه اتفاقا كما هو ظاهر عبارتهم لا شرط في المرور في موضع السجود ومما يضعف تصحيح النهاية أنه يقتضي أن الموضع الذي يكره المرور فيه مختلف يكون في حالة القيام مخالفا لحالة الركوع وفي حالة الجلوس مخالفا للكل فيقتضي أنه لو مر إنسان بين يديه في موضع سجوده وهو جالس لا يكره لأن بصره لا يقع عليه حالة كونه خاشعا ولو مر في ذلك الموضع بعينه وهو قائم يكره لأن بصره يقع عليه حالة خشوعه وأنه لو مر داخل موضع سجوده وهو راكع لا يكره لأن بصره لا يقع عليه حالة خشوعه وأنه لو مر عن يمينه وهو يسلم بحيث يقع بصره عليه خاشعا يكره وهذا كله بعيد عن المذهب لعدم انضباطه كما لا يخفى والاختلاف في موضع المرور إنما هو منشأ بين المشايخ لعدم ذكره في الكتاب لمحمد بن الحسن كما في البدائع وحيث لم ينص صاحب المذهب على شيء فالترجيح لما في الهداية لانضباطه وهو بإطلاقه يشمل الصحراء والمسجد وفي المسجد اختلاف ففي الخلاصة وإذا كان في المسجد لا ينبغي لأحد أن يمر بينه وبين حائط القبلة وصحح في المحيط أنه لو مر عن بعد في المسجد فالأصح أنه لا يكره وكذا صححه فخر الإسلام كما في غاية البيان وذكر قاضي خان في شرحه أن المسجد إذا كان كبيرا فحكمه حكم الصحراء وفي الذخيرة من الفصل التاسع إن كان المسجد صغيرا يكره في أي موضع يمر وإليه أشار محمد في الأصل فإنه قال في الإمام إذا فرغ من صلاته فإن كانت صلاة لا تطوع بعدها فهو بالخيار إن شاء انحرف عن يمينه أو شماله وإن شاء قام وذهب وإن شاء استقبل الناس بوجهه إذا لم يكن بحذائه رجل يصلي ولم يفصل بين ما إذا كان المصلي في الصف الأول أو في الصف الأخير وهذا هو ظاهر المذهب لأنه إذا كان وجهه مقابل وجه الإمام في حال قيامه يكره ذلك وإن كان بينهما صفوف ووجه الاستدلال بهذه المسألة أن محمدا جعل جلوس الإمام في محرابه وهو مستقبل له بمنزلة جلوسه بين يديه وموضع سجوده وكذا مرور المار في أي موضع يكون من المسجد بمنزلة مروره بين يديه وفي موضع سجوده وإن كان المسجد كبيرا بمنزلة الجامع قال بعضهم هو بمنزلة المسجد الصغير فيكره المرور في جميع الأماكن وقال بعضهم هو بمنزلة الصحراء ا هـ. وبهذا علم أن ما صححه في الذخيرة في الفصل الرابع أن بقاع المسجد في ذلك كله على السواء إنما هو في المسجد الصغير ورجح في فتح القدير أنه لا فرق بين المسجد وغيره فإن المؤثم المرور بين يديه وكون ذلك البيت برمته اعتبر بقعة واحدة في حق بعض الأحكام لا يستلزم تغيير الأمر الحسي من المرور من بعيد فيجعل البعيد قريبا ا هـ. فحاصل المذهب على الصحيح أن الموضع الذي يكره المرور فيه هو أمام المصلي في مسجد صغير وموضع سجوده في مسجد كبير أو في الصحراء أو أسفل من الدكان أمام المصلي لو كان يصلي عليها بشرط محاذاة أعضاء المار أعضاءه قال في النهاية إنما شرط هذا فإنه لو صلى على الدكان والدكان مثل قامة الرجل وهو سترة فلا يأثم المار وكذا السطح والسرير وكل مرتفع ومن مشايخنا من حده بقدر السترة وهو ذراع وهو غلط لأنه لو كان كذلك لما كره مرور الراكب وإن استتر بظهر إنسان جالس كان سترة وإن كان قائما اختلفوا فيه وإن استتر بدابة فلا بأس به وقالوا حيلة الراكب إذا أراد أن يمر ينزل فيصير وراء الدابة ويمرا فتصير الدابة سترة ولا يأثم وكذا لو مر رجلان متحاذيان فإن كراهة المرور وإثمه يلحق الذي يلي المصلي ا هـ. الرابع: أنه ينبغي لمن يصلي في الصحراء أن يتخذ أمامه سترة لما رواه الحاكم وأحمد وغيرهما عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة ولا يدع أحدا يمر بين يديه». وفي الصحيحين عن ابن عمر أيضا: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه وكان يفعل ذلك في السفر» وفي منية المصلي وتكره الصلاة في الصحراء من غير سترة إذا خاف المرور بين يديه وينبغي أن تكون كراهة تحريم لمخالفة الأمر المذكور لكن في البدائع والمستحب لمن يصلي في الصحراء إن ينصب شيئا ويستتر فأفاد أن الكراهة تنزيهية فحينئذ كان الأمر للندب لكنه يحتاج إلى صارف عن الحقيقة قال العلامة الحلبي في شرح المنية إنما قيد بقوله في الصحراء لأنها المحل الذي يقع فيه المرور غالبا وإلا فالظاهر كراهة ترك السترة فيما يخاف فيه المرور أي موضع كان. الخامس أن المستحب أن يكون مقدارها ذراعا فصاعدا لحديث مسلم عن عائشة: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سترة المصلي فقال بقدر مؤخرة الرحل» ومؤخرة بضم الميم وهمزة ساكنة وكسر الخاء المعجمة العود الذي في آخر الرحل من كور البعير وفسرها عطاء بأنها ذراع فما فوقه كما أخرجه أبو داود السادس اختلفوا في مقدار غلظها ففي الهداية وينبغي أن تكون في غلظ الإصبع لأن ما دونه لا يبدو للناظر وكان مستنده ما رواه الحاكم مرفوعا: «استتروا في صلاتكم ولو بسهم» ويشكل عليه ما رواه الحاكم عن أبي هريرة مرفوعا: «يجزئ من الستر قدر مؤخرة الرحل ولو بدقة شعرة» ولهذا جعل بيان الغلظ في البدائع قولا ضعيفا وأنه لا اعتبار بالعرض وظاهره أنه المذهب. السابع أن من السنة غرزها إن أمكن. الثامن أن في استنان وضعها عند تعذر غرزها اختلافا فاختار في الهداية أنه لا عبرة بالإلقاء وعزاه في غاية البيان إلى أبي حنيفة ومحمد وصححه جماعة منهم قاضي خان في شرح الجامع الصغير معللا بأنه لا يفيد المقصود وقيل يسن الإلقاء ونقله القدوري عن أبي يوسف ثم قيل يضعه طولا لا عرضا ليكون على مثال الغرز. التاسع أن السنة القرب منها لحديث أبي داود مرفوعا: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها» وذكر العلامة الحلبي أن السنة أن لا يزيد ما بينه وبينها على ثلاثة أذرع. العاشر أن السنة أن يجعلها على أحد حاجبيه لحديث أبي داود عن المقداد بن الأسود قال: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عود أو شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد إليه صمدا» أي لا يقابله مستويا مستقيما بل كان يميل عنه كذا في المغرب. الحادي عشر أن سترة الإمام تجزئ عن أصحابه كما هو ظاهر الأحاديث الثابتة في الصحيحين من الاقتصار على سترته صلى الله عليه وسلم وقد اختلف العلماء في أن سترة الإمام هل هي بنفسها سترة للقوم وله أو هي سترة له خاصة وهو سترة لمن خلفه فظاهر كلام أئمتنا الأول ولهذا قال في الهداية وسترة الإمام سترة للقوم. الثاني عشر أنه لا بأس بالمرور وراء السترة كما دل عليه حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين من مروره وراء السترة ولم ينكر عليه. الثالث عشر أنه إذا لم يجد ما يتخذه سترة فهل ينوب الخط بين يديه منابها ففيه روايتان الأولى أنه ليس بمسنون ومشى عليه كثير من المشايخ واختاره في الهداية لأنه لا يحصل المقصود به إذ لا يظهر من بعيد والثانية عن محمد أنه يخط لحديث أبي داود: «فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا» وأجاب عنه في البدائع بأنه شاذ فيما تعم به البلوى وصرح النووي بضعفه وتعقب بتصحيح أحمد وابن حبان وغيرهما له كما ذكره العلامة الحلبي وجزم به المحقق في فتح القدير وقال إن السنة أولى بالاتباع مع أنه يظهر في الجملة إذ المقصود جمع الخاطر بربط الخيال به كي لا ينتشر. الرابع عشر في بيان كيفيته فمنهم من قال يخط بين يديه عرضا مثل الهلال ومنهم من قال يخطه بين يديه طولا وذكر النووي أنه المختار ليصير شبه ظل السترة. الخامس عشر درء المار بين يديه قالوا ويدرؤه إن لم يكن سترة أو مر بينه وبينها للأحاديث الواردة وهو بالإشارة باليد أو بالرأس أو بالعين أو بالتسبيح وزاد الولوالجي أنه يكون برفع الصوت بقراءة القرآن وينبغي أن يكون محله في الصلاة الجهرية فيما يجهر فيه منها وفي الهداية ويكره الجمع بين التسبيح والإشارة لأن بأحدهما كفاية قالوا هذا في حق الرجال أما النساء فإنهن يصفقن للحديث وكيفيته أن تضرب بظهور أصابع اليمنى على صفحة الكف من اليسرى ولأن في صوتهن فتنة فكره لهن التسبيح كذا في غاية البيان. السادس عشر أن ترك الدرء أفضل لما في البدائع ومن المشايخ من قال إن الدرء رخصة والأفضل أن لا يدرأ لأنه ليس من أعمال الصلاة وكذا رواه الماتريدي عن أبي حنيفة والأمر بالدرء في الحديث لبيان الرخصة كالأمر بقتل الأسودين ا هـ. وذكر الشارح عن السرخسي أن الأمر بالمقاتلة محمول على الابتداء حين كان العمل فيها مباحا وفي غاية البيان معنى المقاتلة الدفع العنيف. السابع عشر أنه لا بأس بترك السترة إذا أمن المرور ولم يواجه الطريق لأن اتخاذ السترة للحجاب عن المار ولا حاجة بها عند عدم المار روي عن محمد أنه تركه في طريق الحجاز غير مرة وقال العلامة الحلبي ويظهر أن الأولى اتخاذها في هذا الحال وإن لم يكره الترك لمقصود آخر وهو كف بصره عما وراءها وجمع خاطره بربط الخيال بها. ا هـ. وقيدوا بقولهم ولم يواجه الطريق لأن الصلاة في الطريق أي في طريق العامة مكروهة وعلله في المحيط بما يفيد أنها كراهة تحريم بقوله لأن فيه منع الناس عن المرور والطريق حق الناس أعد للمرور فيه فلا يجوز شغله بما ليس له حق الشغل وإذا ابتلي بين الصلاة في الطريق وبين أرض غيره فإن كانت مزروعة فالأفضل أن يصلي في الطريق لأن له حقا في الطريق ولا حق له في الأرض وإن لم تكن مزروعة فإن كانت لمسلم يصلي فيها لأن الظاهر أنه يرضى به لأنه إذا بلغه يسر بذلك لأنه أحرز أجرا من غير اكتساب منه وفي الطريق لا إذن لأن الطريق حق المسلم والكافر وإن كانت لكافر يصلي على الطريق لأنه لا يرضى به. ا هـ. (قوله: وكره عبثه بثوبه وبدنه) شروع في بيان المكروهات بعد بيان المفسدات لأن كلا منهما من العوارض إلا أنه قدم المفسد لقوته والمكروه في هذا الباب نوعان أحدهما ما كره تحريما وهو المحمل عند إطلاقهم الكراهة كما ذكره في فتح القدير من كتاب الزكاة وذكر أنه في رتبة الواجب لا يثبت إلا بما يثبت به الواجب يعني بالنهي الظني الثبوت وأن الواجب يثبت بالأمر الظني الثبوت ثانيهما المكروه تنزيها ومرجعه إلى ما تركه أولى وكثيرا ما يطلقونه كما ذكره العلامة الحلبي في مسألة مسح العرق فحينئذ إذا ذكروا مكروها فلا بد من النظر في دليله فإن كان نهيا ظنيا يحكم بكراهة التحريم إلا لصارف للنهي عن التحريم إلى الندب فإن لم يكن الدليل نهيا بل كان مفيدا للترك الغير الجازم فهي تنزيهية واختلف في تفسير العبث فذكر الكردي أنه فعل فيه غرض ليس بشرعي والسفه ما لا غرض فيه أصلا والمذكور في شرح الهداية وغيرها أن العبث الفعل لغرض غير صحيح حتى قال في النهاية وحاصله أن كل عمل هو مفيد للمصلي فلا بأس بأن يأتي به أصله ما روي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم عرق في صلاة فسلت العرق عن جبينه» أي مسحه لأنه كان يؤذيه فكان مفيدا وفي زمن الصيف «كان إذا قام من السجود نفض ثوبه يمنة أو يسرة» لأنه كان مفيدا كي لا يبقى صورة فأما ما ليس بمفيد فهو العبث ا هـ. وتعقبه العلامة الحلبي بأنه إذا كان يكره رفع الثوب كي لا يتترب وأنه قد وقع الخلاف في أنه يكره مسح التراب عن جبهته في الصلاة وأنه قد وقع الندب إلى تتريب الوجه في السجود فضلا عن الثوب فكون نفض الثوب من التراب عملا مفيدا وأنه لا بأس به مطلقا فيه نظر ظاهر وأما أنه لا بأس بسلت العرق في الصلاة فهو قول بعض المشايخ واختاره في الخانية وغيرها وفي منية المصلي ويكره أن يمسح عرقه أو التراب عن جبهته في أثناء الصلاة أو في التشهد قبل السلام ووفق بينهما بأن المراد بالعرق الممسوح عرق لم تدعه حاجة إلى مسحه وبالكراهة الكراهة التنزيهية فحينئذ لا منافاة بينها وبين قولهم لا بأس لأن تركه أولى ويحمل فعله صلى الله عليه وسلم إن ثبت على أن به حاجة إلى مسحه أو بيانا للجواز ا هـ. وفي الخانية ولا بأس بأن يمسح جبهته من التراب أو الحشيش بعد الفراغ من الصلاة وقبله إذا كان يضره ذلك ويشغله عن الصلاة وإذا كان لا يضره ذلك يكره في وسط الصلاة ولا يكره قبل التشهد والسلام. ا هـ. وصححه في المحيط وهو مع ما قدمناه من تعريف العبث يدل على أن الحك بيده في بدنه إنما يكون عبثا إذا كان لغير حاجة أما إذا أكله شيء في بدنه ضره وأشغله فلا بأس بحكه ولا يكون من العبث ثم ذكر الشارحون أنهم إنما قدموا مسألة العبث لأنها كلية وغيرها نوعية لأن تقليب الحصا والفرقعة والتخصر من أنواع العبث والكلي مقدم على النوعي وتعقبه في العناية بأن العبث بالثوب لا يشمل ما بعده من تقليب الحصا وغيره بل إنما قدموه لأنه أكثر وقوعا ا هـ. وقد يقال إن الشامل للتقليب وغيره العبث بالبدن ولا يتم ما قاله إلا لو اقتصروا على العبث بالثوب ثم إن كراهة العبث تحريمية لما أخرجه القضاعي في مسند الشهاب مرسلا عن يحيى بن أبي كثير عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كره لكم ثلاثا العبث في الصلاة والرفث في الصيام والضحك في المقابر» وعلله في الهداية بأن العبث خارج الصلاة حرام فما ظنك في الصلاة ا هـ. وأراد به كراهة التحريم وأورد عليه في غاية البيان بأنه إذا كان حراما ينبغي أن يكون مفسدا كالقهقهة وأجاب بأن فساد القهقهة لا باعتبار حرمتها بل باعتبار أنها تنقض الطهارة وهي شرط ولهذا لا يفسدها النظر إلى الأجنبية وإن كان حراما إلا إذا كثر العبث فحينئذ يفسدها لكونه عملا كثيرا وفي الغاية للسروجي قوله ولأن العبث خارج الصلاة حرام فيه نظر لأن العبث خارجها بثوبه أو بدنه خلاف الأولى ولا يحرم والحديث قيد بكونه في الصلاة. ا هـ. (قوله: وقلب الحصا إلا للسجود مرة) أي كره قلبه لغير ضرورة لما أخرج في الكتب الستة عن معيقيب أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا تمسح الحصا وأنت تصلي فإن كنت لا بد فاعلا فواحدة» {وعن أبي ذر أنه قال سألت خليلي عن كل شيء حتى سألته عن تسوية الحصا في الصلاة فقال يا أبا ذر مرة أو ذر» ولأنه نوع عبث أما إذا كان لا يمكنه السجود عليه فيسويه مرة لأن فيه إصلاح صلاته كذا في الهداية يعني فيه تحصيل السجود على الوجه المطلوب شرعا وهو يفيد أن تسويته مرة لهذا الغرض أولى من تركها وصرح في البدائع بأن التسوية مرة رخصة وأن الترك أولى لأنه أقرب إلى الخشوع وفي النهاية والخلاصة إن الترك أحب إلي مستدلا في النهاية بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات: «وإن تركتها فهو خير لك من مائة ناقة سوداء الحدقة تكون لك» ا هـ. فالحاصل أن التسوية لغرض صحيح مرة هل هي رخصة أو عزيمة وقد تعارض فيها جهتان فبالنظر إلى أن التسوية مقتضية للسجود على الوجه المسنون كانت التسوية عزيمة وبالنظر إلى أن تركها أقرب إلى الخشوع كان تركها عزيمة والظاهر من الأحاديث الثاني ويرجحه أن الحكم إذا تردد بين سنة وبدعة كان ترك البدعة راجحا على فعل السنة مع أنه قد كان يمكنه التسوية قبل الشروع في الصلاة وتقييد المصنف بالمرة هو ظاهر الرواية والزيادة عليها مكروهة وقيل يسويها مرتين ذكره في منية المصلي. (قوله: وفرقعة الأصابع) وهو غمزها أو مدها حتى تصوت ونقل في الدراية الإجماع على كراهتها فيها ومن السنة ما رواه ابن ماجه مرفوعا: «لا تفرقع أصابعك وأنت تصلي» لكنه معلول بالحارث. وروى أحمد عن سهل بن معاذ رفعه {الضاحك في الصلاة والملتفت والمفرقع أصابعه بمنزلة واحدة» ولعل المراد التساوي في المعصية وإلا فالضحك مبطل لها وينبغي أن تكون كراهة الفرقعة تحريمية للنهي الوارد في ذلك ولأنها من أفراد العبث بخلاف الفرقعة خارج الصلاة لغير حاجة ولو لإراحة المفاصل فإنها تنزيهية على القول بالكراهة كما في المجتبى أنه كرهها كثير من الناس لأنها من الشيطان بالحديث ا هـ. لكن لما لم يكن فيها خارجها نهي لم تكن تحريمية كما أسلفناه قريبا وألحق في المجتبى المنتظر للصلاة والماشي إليها بمن في الصلاة في كراهتها وروى في ذلك حديثا أنه {نهى أن يفرقع الرجل أصابعه وهو جالس في المسجد ينتظر الصلاة وفي رواية وهو يمشي إليها» وأشار المصنف إلى كراهة تشبيك الأصابع وهو أن يدخل إحدى أصابع يديه بين أصابع الأخرى في الصلاة كما صرح به في المحيط وغيره لما روى أحمد وأبو داود وغيرهما مرفوعا: «إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبك بين يديه فإنه في الصلاة» ونقل في الدراية إجماع العلماء على كراهته فيها ثم يظهر أيضا أنها تحريمية للنهي المذكور وظاهره الكراهة أيضا حالة السعي إلى الصلاة فإذا كان منتظرا لها بالأولى وذكر العلامة الحلبي أنه لم يقف على حكمه خارج الصلاة لمشايخنا والظاهر أنه في غير هذين الموضعين لا للعبث ليس بمكروه ولو لإراحة الأصابع وإن كان على سبيل العبث يكره تنزيها. ا هـ. وقد قدمنا عن الهداية أن العبث خارج الصلاة حرام وحملناه على كراهة التحريم فينبغي أن يكون العبث خارجها لغير حاجة كذلك.
|